“بيلا تار” للشباب: كن نفسك.. إن كنت لا تخشى شيئاً فلن تخسر أبداً

.

مـاري فـكري
نظم مهرجان القاهرة السينمائي ندوة مع المخرج المجري “بيلا تار” الذي تم تكريمه أمس خلال حفل افتتاح المهرجان بدورته ال44 ، وتحدث “بيلا تار” خلال الندوة التي كانت متميزة وناجحة جداً، عن أسلوبه الشخصي في الإخراج، وكيفية إدارته لفريق العمل خلال تصوير الفيلم، وأيضاً رؤيته وقناعاته الشخصية لكيفية تقديم عمل ناجح ، كما وجه عدداً من النصائح للشباب الذين يبغون النجاح

** وفي سؤال للمخرج أحمد عبدالله في البداية عن المحفز لعمل فيلمه “تناغمات ميركمايستير “، Harmonies Werckmeister “، وهو فيلم درامي مجري أطلقه عام 2000 ؟
أجاب “بيلا تار”: “أنا كنت كسول نوعاً ما.. فلأجل أن أعمل فيلم.. كان يلزم أن يكون هناك محفز يدفعني لعمله، فالفيلم ليس قصة تسير على خط واحد، ولكن هي أحاسيس ومشاعر إنسانية حقيقية، فكل شيء داخل إطار الفيلم له معنى وهذا كافٍ بالنسبة لي .. وهذا ما أطلق عليه فيلم، وهذا ما كنت أريد أن أريكم إياه”.

**وفي سؤال للفنانة سلوى محمد على عن نوعية الممثلين الذين يختار “بيلا تار” العمل معهم، وهل يعتمدون على أحاسيسهم الشخصية خلال الأداء، أم على شخصية الممثل نفسها؟

أجاب “بيلا تار”: أنا أهتم جدا بالإنسانية.. أنا أعمل مع الممثلين على أنهم بشر طبيعيين وأنا أخبرهم بالموقف فقط وأترك لهم رد الفعل، وهم يبنون الشخصية من خلال الدراما البشرية. فالتعامل مع الممثلين يكون قائم على فن الثقة.. (إذا وثقت فيَّ.. فأنا سأحتويك.. ولن أتركك تسقط أبداً). فأنا أتعامل مع الممثلين كونهم أصدقائي أو عائلتي، وأفضل تكوين ثقة متبادلة معهم؛ فالفيلم ليس رواية قصة نصية.. نحتاج شعور إنساني وتعبيرات وحقيقية لصنع فيلم.

**وفي سؤال للفنان حسين فهمي عن مدى التزام المخرج “بيلا تار” بالسيناريو.. هل يلتزم به تماماً.. أم يغير فيه.. أم يخلق السيناريو الخاص به؟
__أجاب “بيلا تار”: الإطار مهم.. لكن السيناريو يأتي من نفسك.. فنحن نفكر دائما أن علينا كتابة قصة لكن لا نفكر كيف سنكتبها.. فالفيلم لا يمكن بناؤه على السيناريو، وأنا آسف لكل كتاب السيناريو، فأنا لا أعتمد على السيناريو المكتوب، وأوجه الممثلين للمشاعر المطلوبة من خلال إخبارهم بموقف المشهد.. فخلال مشاهدة عمل فني يجب رؤية أشخاصًا حقيقيين، أما أثناء كتابة السيناريو فهم يكتبون ما يريدون» .
وأوضح: إذا لم أحب مثلا السيناريو المكتوب عن شخص قوي وطوله مترين.. سأختار شخص صغير الحجم لأنه أقرب إلى المطلوب.. وبالتأكيد أن السيناريو الخاص به سيختلف عن سيناريو الشخص الأخر.. فيجب أن نري الواقع. وعامة فإن الحوار يتم إدارته وفقًا لمشاعر الممثل حيال الموقف الذي أشرحه له، ومن الضروري أن يخرج الحوار من عمق الإحساس، وهو أمر غير متواجد بالسيناريوهات.

** وفي سؤال للمخرج أحمد عبد الله: هل فكر في عمل فيلم ديجيتال من قبل؟
أجاب “بيلا تار”: أنا سعيد بالثورة في صناعة السينما.. واستخدام الديجيتال.. لأنه أرخص ويعمل أرباح كبيرة لاستديوهات ضخمة. وتابع “لكني لا أستطيع عمل شغل في التليفزيون لأن معظمه أكشن وقطع”، وأنا أعتمد في إخراجي على استخراج المشاعر المطلوبة من الممثلين قدر الإمكان، لذا تكون معظم المشاهد طويلة، وذلك على عكس الأعمال الدرامية التي تعتمد على الاختصار.
وتابع “بيلا تار “: المشاهد الطويلة تشبه حياتنا بروتينها اليومي. وهي تفيد الممثل.. كون أنه لا يتوقف خلال المشهد حتى يستطيع الإبداع على حريته بشكل أكبر.

وقد تفاعل الحضور مع المخرج الكبير وانهمرت الأسئلة تتوغل بشغف في عالم “بيلا تار” السينمائي..

**وفي سؤال عن هل يشعر “بيلا تار” بالحرية التامة في مجال عمله؟
قال “بيلا تار”: لقد عملت فيلمي الأول وعمري 22 عاماً.. ولم يكن معي أي مال.. وكنت مستقل تماما – متحرر من أي قيود_ وكنا نصور بمعدات وسيارة قديمة، ولم ندفع لأي شخص أي مال.. ولم نهتم.. فقط أردنا أن نوصل رؤيتنا للناس. الممثل محتاج يكون حر، إذا شعر بذلك سيؤدي بشكل جيد، مثلما يحدث بالحياة.. إذا حدث موقف ما لإنسان يأخذ موقف من إحساسه بما حدث”. وعقب “بيلا تار”: أنا لا يعجبني أن البعض من الشباب يشكو من أنه ليس لديه المال _ ليحقق النجاح_ إن المال ليس أساسي للنجاح.. وأقول لكم اعملوا بكل الأدوات المتاحة.. صوروا أفلام حتى ولو بالتليفون.. اعرضوها من خلال شبكات النت.. انت لا تحتاج إلى ميزانية قدرها 5 مليون يورو لعمل فيلم.. ومع ذلك يمكنك النجاح.
**وفي سؤال عن الموسيقى في أفلامه؟
__أجاب “بيلا تار”: الموسيقى في الأفلام مهمة جدا، لأنها شيء أساسي ووجودها يكون قوي جدا و أقوم باختيارها قبل البدء في الفيلم، حيث أجلس مع مؤلف موسيقي قبل البدء في التصوير ونعمل سويًا عليها، وتابع “معظم الوقت أثناء التصوير يتم تشغيل الموسيقى لأنها تدعم حركة الكاميرا وتساعد الممثلين، وتمنح أجواء قوية جدا خلال العمل ، وهذا ما يجعلني أسمع الموسيقى ضروري قبل التصوير؛ فالموسيقى هي روح الفيلم».

أهم قناعات “بيلا تار” التي أجاب بها على أسئلة الحضور:

كن نفسك، تحلى بالشجاعة.. لا تنصت لتأثيرات الآخرين عليك.
بدأت حياتي السينمائية عندما كان عمري 22 عاماً بفيلم كوميدي، وفي العام التالي عملت فيلمي الثاني، وبعدها جاء رعاة الفيلم وطلبوا مني تقسيمه لجزئيين.. فرفضت، وجاءوا بعد عام أخر طلبوا نفس الطلب فرفضت، وبعد عام جديد.. كانت نفس الإجابة من جانبي.. فيأسوا.. فهم يهتمون بالرواتب والماديات والالتزام بهامش الأمان.. أما أنا فلم أكن أخاف شيئاً لأخسره.
إن كنت لا تخشى شيئاً فلن تخسر أبداً.

يذكر أن “بيلا تار” يعد أحد أهم صانعي السينما في المجر، فلم يقتصر على الإخراج فقط ولكنه منتجًا ومؤلفًا أيضًا، وُلد عام 1955 وتخرج في أكاديمية المسرح والسينما في بودابست عام 1981، وبعدها بدأ مسيرته الفنية التي كانت حافلة بالعديد من النجاحات في سن مبكر، وذلك من خلال سلسلة أفلام وثائقية وروائية والتي وصفت بأنها كوميديا سوداء، حيث كانت أغلب أعماله التي تم إنتاجها تتميز بأنها بالأبيض والأسود، وأستُخدم فيها لقطات بطيئة مطولة وقصص غامضة ذات نظرة فلسفية تشاؤمية للتعبير عن الإنسانية، كما أستعان بممثلين غير محترفين لتحقيق أكبر قدر من الواقعية التي تميزت بها في أعماله.
أصبح“بيلا تار“ عضوا في أكاديمية السينما الأوروبية عام 1997، وأسس عام 2003 شركة TT Filmmhely للأفلام المستقلة وترأسها حتى عام 2011، وفي 2012 أسس في سراييفو مدرسة السينما الدولية، فيما كان أستاذا زائرا في عدة أكاديميات سينمائية، وحصل على الدكتوراه الفخرية، بجانب تكريمه بالعديد من الجوائز من قِبل عدة محافل محلية ودولية هامة.
ومن أبرز أعمال المخرج المجري بيلا تار: “Családi tüzfészek” عام 1979، “Panelkapcsolat” 1982، “A londoni férfi” عام 2007، “Damnation” 1988، “Satantango” 1994، “The Turin Horse” في 2011، “The Man from London” عام 2007، “Missing People” 2019، وغيرها.
أقيمت ندوة المخرج “بيلا تار” بمسرح النافورة في دار الأوبرا المصرية وأدارها المخرج أحمد عبد الله السيد، وحضرها رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي ومدير المهرجان المخرج أمير رمسيس، والمدير الفني الناقد أندرو محسن، الفنان عمرو عابد، دكتور خالد عبد الجليل مستشار وزيرة الثقافة لشئون السينما ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات بالمهرجان، دكتورة ميرفت أبو عوف، مدير التصوير أحمد المرسي، المخرج أشرف فايق، والممثلة سلوى محمد على، علاوة على جمهور غفير وبخاصة من المهتمين بصناعة السينما والإعلاميين.
وقد قام مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم المخرج بيلا تار، في حفل افتتاح دورته الـ44 والذي أقيم مساء أمس الأحد 13 نوفمبر على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وقدم له درع التكريم رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، ومدير المهرجان، المخرج أمير رمسيس.