تظاهرة حب وتقدير من الجمهور والفنانين لمحمود حميدة في لقاء بالجونة السينمائي

مـاري فـكري

• حميدة: رسم الشخصية لابد أن يكون من صنع خيالي!
• “فارس المدينة” بدون دوبلير أو مساعد.. “مجبر أخاك.. لا بطل”!
• الفنان لابد أن يكون متواضعا!
• نعم بردت أسناني الحقيقية في جنة الشياطين.. لهذا السبب!
• أنا لا أندم أبدا!

متصالح مع ذاته، خفيف الظل، وسيم، مشاغب بأدواره، ذكي ، قاريء عميق، صاحب فلسفة خاصة يؤمن بها ولا يهمه إن كانت تعجبك أو تصدمك ، متميز جداً، ومتواضع جداً .. هذه التوليفة الشيقة والمتفردة جدا هي باختصار “محمود حميدة”.. أو بالأحرى هي الطبيعة التي قد تستشعرها على الفور في شخص هذا الفنان المتألق دائماً.
وقد نظم مهرجان الجونة السينمائي لقاءً موسعاً مع الفنان الكبير محمود حميدة، حضره كوكبه من النجوم والفنانين علاوة على جمهور غفير.. في تظاهره حب وتقدير لشخص الفنان الانسان محمود حميدة، خاصة بعد تكريمه وحصوله على جائزة الإنجاز الإبداعي في افتتاح الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي.

ومن بين الفنانين الذين حضروا اللقاء.. الفنان حسين فهمي والفنانة لبلبة والمنتج محمد العدل والمخرجة ايناس الدغيدي والفنانة بشرى ونقيب الممثلين أشرف زكي والفنانة نجلاء بدر، و الفنان محمد فراج ، وحضر أيضا الأب بطرس دانيال/ رئيس مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما وماريان خوري /المديرة التنفيذية لمهرجان الجونة علاوة على جمهور وإعلاميين وصناع سينما عديدين.
وكعادته فتح حميدة قلبه لكافة الأسئلة ليجيب عليها بقناعات راسخة لا تخلو من فلسفة وعمق جديرين بالتأمل والاعجاب، وأدارت اللقاء مريم الخشت .

== كان السؤال الأول لحميدة حول سبب رفضه الدخول في عالم الفن في البداية رغم تشجيع اسرته له على دراسته؟
اجاب حميدة أن السبب هو احتقار الفن، فأعمال التسالي محتقره من المجتمع الإنساني، رغم ان مهنة الفن هي روح المجتمع ولا يمكنه الاستغناء عنها. واشار حميدة الى ان اصل هذه المهنة “مهنه التسالي” ان الانسان كان يخاطب بها الاله في شكل عبادات صوتيه وحركيه بعد تعلمه بوجود الاله ثم اصبحت المعتقدات كأدبيات، وبقيت طقوس العبادات كمهنة خارج الاطار الديني ، بحيث اصبحت مهنه لمن لا مهنه له ، وهنا موقع الاحتقار.. وأضاف: لا اقصد الاحتقار الشخصي ولكن احتقار فنون التسالي من جانب البعض، رغم ان التسلية هي شيء عظيم.. فهي من سلا ..يسلو .. “الهموم بالذات”.. فبمجرد ان يدخل السيد الجمهور امام شاشه العرض فهو يترك همومه الخاصة ويختار ان يشاهد هموما من نوع آخر.

== وحول رفض بعد الفنانين للنقد من جانب الآخرين.. أجاب حميدة بأن الذي لا يريد ان يسمع نقد غالبا مش فاهم أصل المهنة.. فالفنان يجب ان يكون متواضعا وعنده قبول للآخر.
== وفي تعليقه على فيلم فارس المدينة وكيف جرأ على عدم الاستعانة بمساعد له، خاصة في المشاهد الصعبة.. فاجئ حميدة الجمهور كعادته بحقيقه الموقف وقتها.. ( على منوال.. “مجبر أخاك.. لا بطل”)، حيث قال: ان سبب عدم استعانته بمساعد او لبيس كان المخرج والمنتج للفيلم محمد خان . فرغم ان مهنه اللبيس جاءت من المسرح لإعانة الفنانين على اداء ادوارهم ، الا انها تطورت ليكون دور اللبيس هو مساعد للممثل. وقال حميدة انه حدثت له مشاكل في ظهره بعد تصوير الفيلم خمس اسابيع ويومين.. إذ تم التعامل معه في الفيلم بمنطق “عمال الترحيلات”، وقال : كنت أحمل حقيبتي بنفسي بكل ما فيها ..وأركب سيارة التصوير وأذهب للجلوس على “قهوه بعره” ..حيث جرى تصوير أغلب المشاهد في الشوارع .. ولم يكن أحد يساعدني.. فلما خاطبت مدير الانتاج فتحي يسري وطلبت مساعد ولم يكن متبقي غير ستة ايام على تصوير الفيلم.. رفض محمد خان قائلا: (يريد مساعد من أولها.. هو عامل لي فيها نجم) .. لأن الفيلم كان أول بطولة ليَّ، ومحمد خان كان عنده ضغوط مادية.

== وفي سؤال عن دور “طبل”، في فيلم جنه الشياطين وكيف خلع حميدة اسنانه الحقيقية من اجل تجسيد الدور؟ أجاب: ان لكل فنان طريقته واسلوبه ومرجعيته الخاصة التي يتعامل بها مع الشخصية. وهناك مصطلح التقمص بالشخصية، وان كان يمكن ان ينقلب الى نوع من الشيزوفرانيا ..لدرجه ان هناك بعض الممثلين حدث معهم هذا ،مثل ممثل امريكي مشهور عمل دور طرزان وعندما وصل عمره الى 93 عاما ظل يرتدي ملابس طرزان.
وأضاف حميدة: في الماضي، كان التعامل مع الادوات التي تستخدم مع الممثل صعبة جدا ..فمثلا عندما كانوا يلصقون لنا الذقن بالذات ونحن اطفال في التمثيل، كانوا يلصقوها بالكله التي تُلصق بها الأحذية الكاوتش.. وكانوا يزيلوها بالجاز.. بينما كانوا يزيلوها بالكيروسين بالنسبة للنجوم الكبار.. ( تضج القاعة بالضحك) .. ويستكمل حميدة: وهناك من يدع قطره في عينيه ليرمش في دور ما .. فالواقع ان الفنان هنا يموت نفسه في الشخصية في حاله اشبه بالانتحار.. حتى اسامه نفسه لم يرد لي ان افعل هذا لأسناني.. ولكن فن الماكيير لم يكن متقدم ليقدم لي هذا.. فذهبت الى طبيب اسنان وطلبت برد اثنين من اسناني لأعمل سنتين ذهب.. نعم هذا كان شكله اداء صارخ، خاصه واني اجسد شخصيه ميتة، ولكن كانت هذه هي الحالة على بعضها.

== وفي سؤال عن تأمين الممثل ولماذا لا يوجد لدينا مثل هذا؟ اجاب حميدة بأن تامين مخاطر الاستثمار اول ما مظهر كان في هوليود، ويقوم على حساب نسبه المخاطرة، وهذا خرج عندهم لأن لديهم قانون ونحن ليس عندنا.. واذا أمن أحد على اي طاقم عمل له، يكون هذا بشكل شخصي.. وعندها رد دكتور محمد العدل قائلا : أنا اؤمن على طاقم العمل معي، فأجاب حميدة ضاحكا ( طيب أمن لي معاك وحياتك، ( وضجت القاعة بالضحك). واستطرد حميدة: نحن نتعامل مع السينما كصناعة استهلاكية.. وهذا خطأ وعلق حميدة على أهمية صناعة السينما قائلا “انتوا فاكرين نفسكوا بتعملوا ساندوتش.. السينما صناعة ثقيلة ، وغياب القانون مرتبط باحتقارها.
== وفي سؤال عما الذي يصنع المنتج الشاطر؟ اجاب حميدة: المنتج الشاطر يُصنع بطبيعته وشخصيته وعلاقاته.. ونحن عندنا خلط بين المنتج وصاحب المال.. وجاءت فتره كان كل اللي معه مال هو المنتج وهذا خطأ.. لان المنتج لازم يكون فاهم وعارف عناصر هذه الصناعة وكيف يتم عملها.
== وعن ماذا تغير في صناعه السينما سلبيا وايجابيا على مدار السنوات؟ اجاب حميدة: بانه حضر اول مؤتمر للسينما بجريده الاهرام عام 91 لبحث ازمه السينما، وكان يوجد بجواره الراحل صلاح ابو سيف.. وقد سأله يوما: لماذا يتحدث كل شخص عن جزئيه فقط كالإنتاج او التمثيل او الاخراج وليس عن الصناعة ككل، فأجاب: كل 10 سنوات ينظمون مؤتمر مثل هذا.. هذه فقط كانت اجابته.. وأنا أرى انه في غياب قانون انشائي لن تتطور الصناعة.. فكل الصناعات التي انشأها “طلعت حرب” غاب عنها قانون.. وكلها تدهورت.. وانا كنت مع الرأي الذي يقول ان التأميم بعد الثورة هو السبب.. ولكن هذا جزء من الأسباب، والسبب الرئيسي ان كل الصناعات سواء المتعلقة بالفن، بالتامين، بصناعة الطائرات، بصناعة السينما.. لم يصاحبها قانون يقدم توصيف وظيفي ويحدد مسؤوليات ومهام وحقوق مترتبه عليها، حتى يصبح الطريق واضحا امام اي شخص يدرس مهنه ما بهدف العمل بها.. وأكد حميدة أن مؤسسات كثيرة تعمل بقانون العمل العائلي وليس المؤسسي، فالمطلوب مشروع قانون يُرفع للسلطات لإقراره.. حتى يصبح الذي يدخل معهد السينما مثل الذي يدخل معهد الطيران أو الهندسة.. عارف أنه عندما يتخرج سيجد عمل له بالمجال الذي درسه.

== انتقاء الأعمال التزام أم قيد يحرم الممثل من تجارب مختلفة؟ اجاب حميدة: أنا يتم اختياري من جانب اخرين لكي أمثل.. فالممثل اختياراته محدودة، وله فقط حق القبول والرفض، وهذا يعتمد على شخصيته وتعليمه وليس له روشته محدده. وفي استكمال للسؤال بالقول: ما الذي يجعلك ترفض دور ما؟ أجاب حميدة: عمري ما رفضت دور.. فطريقه الكتابة والشخصيات المدروسة هي التي على اساسها نختار الأدوار.
== هل الممثل يتعلم أكثر من التجارب السلبية التي يقابلها؟ اجاب حميدة: الناس تقول ان الوقعات نتعلم منها اكثر.. ولكن التعلم يختلف من شخص لأخر.. كما أن التجارب الناجحة نتعلم منها ايضا، وهي افيد كثيرا من التعلم من التجارب السلبية.
== يوسف شاهين، قيل عنه ان التعاون معه كان صعبا؟ اجاب حميدة على الفور: هذه المعلومة غير صحيحه على الاطلاق ، ان المخرج يوسف شاهين كان يعمل خطه للعمل بالساعة تفيد طاقم العمل كله في النهاية بسبب تنظيم العمل، الأمر الذي اذا لم يحدث كان العمل ليأخذ اضعاف ساعات تصويره، فيوسف كان دائما حاضر في اللوكيشن.. شايف وعارف كل شخص بيعمل ايه، حتى الذي يركب مصباح.. وهذا لصالح العمل.
== في سؤال عن هل هناك تفصيلة أخذتها من أي شخصيه فنية من قبل؟ اجاب حميدة: أنا لا أحب تجسيد اي شخصيه أكون قد رأيتها، بل لابد أن تكون من صنع خيالي.. فهناك ثلاث مراحل عندي لعمل الشخصية، الأولى.. رسم الشخصية من الخيال.. الثانية هي صنع الشخصية ويشارك اخرون فيها والمرحلة الثالثة هي لعب الشخصية، والتي يقوم بها شخص واحد فقط هو الممثل ذكرا كان او أنثى .. فاذا وجدت خلال مرحله الرسم أن هذه الشخصية تشبه حد آخر.. ارمي الرسم لكل الشخصية على الفور، وابدأ ارسم الشخصية من جديد وهذا كان يأخذ مني وقت طويل في السابق.. فرسم الشخصية هو أصعب مرحلة، وهي متعه الممثل شخصيا، لأنها النسخة التي لن يمكن تعديلها للابد، إذ لن يمكن إصلاحها.

== و في سؤال للأستاذة ماريان خوري: هل هناك دور ندمت انك عملته أو لم تعمله؟ أجاب حميدة: أنا لا اندم ابدا!
== ما الأهم.. التكريم عن مجمع الاعمال أم التكريم بجائزة أفضل ممثل عن عمل بعينه؟.. جاء رد حميدة بتواضع شديد.. إذ أجاب: أنا لم اكن أفهم معنى الجائزة أو حتى الهدية الا بعد ما اصبح عمري 40 عاما.. في الماضي عندما كنت صغير وشخص يقدم لي هديه كنت آخذها.. فكانوا يقولون لي : قل ميرسي او شكرا ..فأقول لماذا اقول شكرا وانا لم اطلب هديه منه .. (ضحك بالقاعة) ويستكمل: عندما حصلت على البطولة في النادي وعمري ست سنوات، اهدوا لي كأساً، فقلت لماذا.. قالوا لأنك حصلت على المركز الأول.. ويردف حميدة: الهدية بالطبع شيء جميل واعلان عن محبة.. ولكني كنت متلخبط وحائر في داخلي، خاصه لما يقولوا لي سوف تحصل على جائزة.. انا لم اهتم ابدا بكيف يراني الآخرين.. ولكني مهتم دائما بالتركيز على قيمة وقامة الآخرين.. وايناس (ايناس الدغيدي) اوضحت لي انه هكذا يراك الناس أنك تستحق هذا التكريم (وينتهي اللقاء بتصفيق بحرارة وحب من كل الحضور) .

== من الأقوال المهمة التي قالها محمد حميدة خلال اللقاء والتي تعبر عن قناعات شديدة الرقي:

  • الذي يفرق بين شخص وآخر هو الإخلاص للعمل وليس البحث عن الشهرة.
  • عندما لاموني على مجلة عملتها ليس بهدف الربح بدلا من مشروع سياحي رابح.. قلت هذه توجهات شخصية.
  • أنصح أي ممثل بالقراءة بصوت عالي ولو نصف ساعة يومياً لتحفيز الذهن عند التمثيل.
  • كل من يرفض التطور سوف يندثر، فهذا قانون كوني.