
مـاري فـكري
**”إيشيكاوا”: هذه بعض من تابوهات المجتمع الياباني
**الأشياء المكتوبة في الهواء.. لا مثيل لها جميعا
**ثلاثة أسباب دفعتني لعمل فيلم “رجل”
كان لموقع “إشراقة ” حظ لقاء المخرج الياباني “كاي إيشيكاوا” مبدع فيلم “رجل” الفائز بجائزة أحسن مخرج بمهرجان فينيسيا الدولي والذي شارك بنفس فيلمه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال 44، وحصل عنه على جائزة “نجيب محفوظ لأفضل سيناريو”.. وقد تحدث “إيشيكاوا” خلال اللقاء عن ثلاث أسباب جعلته يقرر عمل هذا الفيلم، وكذلك عن فكرة اللغز أو الغموض الذي يغوص فيه كنه الفيلم.
**في سؤال عن الأساس الذي قام عليه الفيلم ولماذا أقدم على عمله؟
أجاب “إيشيكاوا”: فيلم “رجل” قائم على كتاب ياباني يحمل نفس الاسم “رجل” وهو كتاب رائع يتحدث عن الهوية الإنسانية.
وهناك ثلاثة أسباب دفعتني لعمل هذا الفيلم… الأول هو مناقشه فكره الهوية الإنسانية في المجتمع الياباني الذي يحوي عددا من التابوهات ” الأمور المحظور مناقشتها”، السبب الثاني أن القصة مثيرة جداً، فهي أشبه بلغز.. وفيها عمق عالمي يغوص في الهوية الإنسانية بشكل عام، أما السبب الثالث فهو أنني أردت أن أقدم بعض مشاكل المجتمع الياباني التي لم تناقش بعد في الأفلام؛ فأنا أعتبر أن دور الفيلم هو إلقاء الضوء على مثل هذه المشاكل.
**وفي سؤال عن اهم المشاكل التي طرحها الفيلم؟
أجاب المخرج الياباني: من أهم المشاكل التي ناقشها الفيلم هي موضوع “الصراع الكوري الياباني”.. وأوضح: أنا مثلا عندي أصدقاء كوريين كثيرين يعيشون باليابان.. ولكن أصبح من المحظور التكلم عن النقاط المتعلقة بالهوية في المجتمع الياباني، ليس بشكل قانوني، ولكن هناك نوع من أنواع التابوهات أو المحرمات في مناقشة مثل هذه القضايا، مما يجعلنا نفكر في في علاقتنا بأصدقائنا وبالناس.
**وفي سؤال عن المشاهد التي يعتبرها من أهم المشاهد بالنسبة له في الفيلم؟
أجاب “إيشيكاوا”: بالنسبة لي أهم مشهد هو المشهد الأخير، لأنه يحمل كنه أو عمق الرسالة المطروحة بالفيلم، ولكن المنتج لم يكن يريد وضع هذا المشهد بالفيلم لحساسيته.. ولكنني أصررت على وضعه بالفيلم، لأنه مهم ويعبر عن هدف الفيلم كله.
إيشيكاوا”: الأشياء المكتوبة في الهواء.. من الصعب ايجاد أمثله لها جميعا

**وفي سؤال عما هي الأمثلة الأخرى التي توجد بالمجتمع الياباني وتعتبر من التابوهات؟
أجاب “إيشيكاوا”: الأشياء المكتوبة في الهواء (التابوهات أو المحظورات المجتمعية غير المكتوبة واقعياً).. من الصعب ايجاد أمثله لها جميعا في الفيلم.. على سبيل المثال صديقي الكوري له اسم ياباني ولكن لا يمكن معرفة أنه كوري الأصل إلا من خلال جواز سفره.. وهذا الأمر أو ما هو مثله.. لا يليق التحدث فيه لأنه يكون أمراً حساساً للغاية. مثال آخر، في اليابان مثلا توجد لعبة للأطفال “كورية يابانية” اسمها “باشينكو” وهي ليست لعبة مثل ألعاب لاس فيجاس مثلا.. ولكنها غريبة أيضا على المجتمع الياباني.. فممارسة هذه اللعبة يعتبر من الأنشطة الغير محببة.. ولا يتم أيضاً الحديث في هذا التابو.
**وفي سؤال عن مشاريعه الفنية القادمة؟
أجاب المخرج الياباني: أنا حاليا أبحث عن انتاج تعاوني، لأعمل أفلام بشكل أضخم، وعندي مشروع حاليا أصوره في بولندا، وأتعاون فيه مع ممثلين كوريين.
**وفي سؤال عن انطباعه خلال مشاركته بفيلمه في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته ال 44؟
أجاب المخرج الياباني: أسعدني جداً رد فعل الناس الجميل والرائع تجاه الفيلم عندما عُرض بالمهرجان.
وفي تعليقه على مجمل مغزى فيلمه الجميل “رجل”، قال المخرج الياباني “إيشيكاوا“:
بعدما نقع في الحب، ماذا لو تبين لنا بعد فترة أن هذا الشخص الذي ارتبطنا به.. مختلف تمامًا عن الشخص الذي وقعنا في حبه في البداية؟ ماذا لو كان له ماضي مجهول يخفي الكثير من الأسرار؟
وتابع المخرج: هذا السؤال حيرني كثيرا. ففيلم “رجل” لا يقدم إجابة بسيطة على سؤال “من هو السيد X” أو “الرجل الغامض” الذي كان محور الفيلم. بل الأمر أقرب إلى متاهة لا مهرب منها.
وتابع: أتمنى أن نكون شهوداً على الضوء الذي كان يمكن أن يجده السيد X في نهاية متاهة حياته الطويلة والصعبة، لأن X يمكن أن يكون أي شخص فينا.

قصة الفيلم..
يبدأ فيلم “رجل” بمشهد يركز على لوحة سريالية تم إلقاء الضوء عليها في البداية، وهي للفنان “رينيه ماجريت Rene Magritte ، والتي تحمل معني “لا يمكن إعادة إنتاجه”، والتي يقف فيها رجل أمام مرآة كبيرة.. ومع ذلك، فإن انعكاس الرجل يظهره من الخلف وليس من الأمام.. مما يشحذ ذهن المشاهد.. ليثور فيه تساؤل قوي.. ما هو وجهه الحقيقي؟
وبسرعة تتوالى الأحداث لتدخل بالمشاهد في قصة مؤثرة، هيأ المشهد الأول للفكرة فيها.. عندما تجد “ري” Rie والتي تعمل كاتبة في متجر في بلدة صغيرة بالريف الياباني، فرصة ثانية للحب بعد وفاة زوجها الذي أنجبت منه ابنا على شفا سن المراهقة ، بعد أن تتعرف على وافد جديد لقريتها اسمه “دايسوكي” Daisuke ، وهو شخص خجول، يعمل كحطّاب ويرسم بنفس الوقت اسكتشات في أوقات فراغه، وسريعا ما يقعان في الحب ثم يصبحان زوجًا وزوجة..يعيشان بسعادة لمدة حوالي 4 سنوات ، مع ابنتهما الرضيعة الجديدة وابن ري.. إلى أن يلقي الموت بظله الثقيل على الأسرة السعيدة ويموت الزوج “دايسوكي”.. فينهمر سيل من المفاجآت والألغاز ينحى بالفيلم في اتجاه آخر.
إذ تستعين “ري” بمحامي هو ” كيدو” كي تتابع شؤون زوجها دايسوكي بعد وفاته.. ولكنه يعود لمقابلتها بأخبار مفزعة.. فالزوج الذي تزوجته ليس هو من تعرفه.. فقد انتحل هوية ابن مختفي لمالك شهير لما يسمى الينابيع الساخنة. ليصبح زوجها بهذا بالنسبة لها وللجميع.. “مستر اكس” “Mr. X. “.. ” أو “الشخص غير المعلوم هويته”
ويلمح الفيلم بعد ذلك إلى أصوله باعتباره “زاينيتشي “Zainichi (مواطن كوري أصلي يعيش في اليابان) . ويواصل الفيلم التركيز على السيد X .. الجريح والمظلوم.. بأسلوب يزيد من جذب التعاطف معه، من خلال الكشف عن قصته تدريجياً.. باستحضار لقطات من ذكريات الماضي وشهادات أولئك الذين عرفوا كنهه “الحقيقي”.
“فيلم رجل”. هو دراما إنسانية عميقة…. إذ يتضمن رسالة عن أثر التحيز الاجتماعي على البشر.. من خلال تجسيد حياة السيد X المحكوم علي هوية مصيره منذ الولادة، بسبب تعصب المجتمع الياباني المتأصل فيه تجاه هؤلاء الذين يختلفون عن القاعدة المتعارف عليها والتي لا ترحم. لتبقى هوية السيد X ومثله كثيرون لغز أبدي حتى النهاية.. يثير في النفوس معنى الألم وأهمية الرحمة وتقبل الآخر أيا كانت هويته.

Kei Ishikawa“إيشيكاوا” .. في سطور
ولد كاي إيشيكاوا في تويوهاشي باليابان. درس الفيزياء في جامعة توهوكو ثم درس الإخراج السينمائي في الأكاديمية الوطنية البولندية للسينما والتلفزيون والمسرح.
كان للمخرج إيشيكاوا ، فيلم سابق في عام 2016 من نفس هذه النوعية من الأفلام، بعنوان
“جوكوروكو: آثار الخطيئة” “Gukoroku: Traces of Sin”
وكان عبارة عن دراما سردية معقدة أخرى تدور أيضاً حول الكشف عن الأسرار .
حصل على منحة دراسية للفنانين من الحكومة اليابانية.
حصل فيلمه القصير DEAR WORLD
على جائزة خاصة في مسابقة مؤسسة أكيرا كوروساوا اليابانية، وتم عرض فيلمه “كل شيء في الأصابع” لأول مرة في مهرجان المخرجين الجدد / نيو فيلمز في نيويورك. و من أفلام المخرج إيشيكاوا أيضا فيلم “استمع إلى الكون” (2019)
شارك فيلم المخرج الياباني “إيشيكاوا”.. “رجل”.. في عدة مهرجانات عالمية هذا العام 2022، و تم عرضه لأول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي لهذا العام، وحصل عنه على جائزة أحسن مخرج من مهرجان فينيسيا الدولي، كما حصل عنه على جائزة “نجيب محفوظ لأفضل سيناريو” من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
سيناريو الفيلم كتبه كوسوكي موكاي عن رواية للكاتب الياباني كيشيرو هيرانو.. تحمل نفس اسم الفيلم..”آرو أتوكو ” … Aru Otoko ،وتعني باليابانية “رجل